تحية إجلال وإكبار لمعلّم الصغار والكبار

تحية إجلال وإكبار لمعلّم الصغار والكبار

  أغلب المهن والوظائف ينتهي توقيتها بانتهاء فترة الدوام، وإن استمرّت فبتحفيزات ومقابل مادي..

إلا التعليم، فتوقيت المعلّم المربّي لأداء رسالة التربية والتعليم لا يتوقف عند حجمه الساعي في المدرسة، بل يتعدّاه إلى التزامات مهنية خارج الحصص التعليمية التعلُّميَّة، كتحضير المذكرات والوسائط التعليمية.. ومسك الدفتر اليومي ودفتر التنقيط.. وتحضير الواجبات المنزلية والفروض والاختبارات وكذا تصحيحها.. وحضور المجالس بأنواعها.. والندوات الداخلية والخارجية.. وحتى بمشاركته في الأيام التكوينية خلال عطلتي الشتاء والربيع..

  فالضغط المهنيّ الذي يتعرّض له المعلّم مرتبط بأعباء الوظيفة وبيئة العمل وظروفها، وبالسلوك الإشرافي الإداريّ وسلوك التلاميذ وأوليائهم، وكذا فقدان المعلّم لمكانته الاجتماعيّة التي كان يتبوّؤها قديما، كلّ هذه الأمور تعتبر مثيرات ضاغطة قد تؤدّي إلى الاحتراق النفسيّ للمعلّم والتي تظهر أعراضه على حالته النفسية والعقليّة والجسديّة.

  فهذا العمل المضني لا يحسّ به ولا يألم له إلا من مارسه بضمير الإخلاص والتضحية والتفاني في التبليغ.. والصدق في الواجب، والعدل في الأحكام.. ليغدق على كل ذلك بنهر العطاء المفعم بأحاسيس المحبة والسخاء، يخترق به قلوب الأبناء، ليشعرهم بالدفء العائلي الذي يكتنفهم وسط أهلهم.. أو يعوّضهم ما فقدوه في ذلك الوسط.

  وها هو الشاعر مصلح المالكي يتجاوب مع هذه المشاعر الرّسالية في قصيدة معبرة بعد تقاعده:

أفنيت في التدريس كل شبابي ¤¤¤ وغرست دينَ الحقّ في طلابي

سيقدّرُ الطلابُ جهدي بينهم ¤¤¤ والفضلُ يعرفه ذَوُو الألبابِ

سلْ دفتر التحضير بل وحقيبتي ¤¤¤في الفصل سلْ سبورتي وكتابي

سلْ مكتبي ووسائلي ودفاتري ¤¤¤تُنبيك أنِّي فارسُ الإعرابِ

وسل المجنّدَ أنَّني درّسته ¤¤¤سلْ الإمام الفذَّ في المحرابِ

وسلْ الطبيبَ إذا مررتَ بدارهِ ¤¤¤ أضحى طبيبَ القلبِ والأعصابِ

وسل المهندس كيف أضحى فارسًا ¤¤¤ رفع المباني فوق كل سحابِ

  فاحترام الشمعة التي تحترق لتضيء لنا دروب المعرفة لننهل ونرتوي منها.. لا يجب غمط قيمتها في المجتمع، ولنا العبرة في أجدادنا وتوقيرهم للإمام ومعلم القرآن إبان الاستدمار الفرنسي، حيث كان يصله نصيبه من أيّ محصول زراعي بعد جنيه أو حصاده.. ووصل بهم حدُّ التقدير والتبجيل إلى تقديم باكورة الفواكه للإمام ومعلم القرآن ليتذوّقها قبل أهل دار الفلاح.

  فأين نحن من ذلك السلف؟ وماذا ينقص هذا الخلَف؟ الذي تراجع إلى الخلفِ، إلا عندما انسلخ عن دينه، وباعه بدنياه الفانية، فلم يعد فينا من يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا، ناهيك عن مكانة المعلّم بيننا، حتى فقدنا معالم حضارتنا التي كناّ نتباهى بها بين الأمم التي غرفت من معيننا فأنشأت نهضةً وتقدمًا من عصر القطار البخاري إلى الطائرة إلى عصر التكنولوجيا والإعلام الآلي والمدن الذكية، إلى التخطيط لغزو الفضاء والعيش في أحد كواكبه.

  فماذا ترك لنا الغرب من فتات حضارتهم؟ وما سرّ تقدمهم وما سرّ انحطاطنا؟ ليأتينا الجواب من بلد تشرئبّ له الأعين والآذان لمعرفة كلّ جديد في مجال الاختراعات والتطور، على لسان رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي" عندما سئل عن سرّ التطور التكنولوجي باليابان فأجاب:

"أعطينا المعلّم راتب وزير، وحصانة دبلوماسي، وإجلال الإمبراطور!"

 السيّد: مسؤول الطور المتوسّط

    الأستاذ: طاهر عبد المطلّب